شروط اختيار الصديق

أيها الأخوة الكرام يقول خالقنا في كتابه العزيز :

{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً  يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً}

أيها الإخوة الكرام : نزلت هذه الآية في عقبة بن أبي معيط ، وكان صديقاً لأمية بن خلف ، وكان عقبة قد صنع وليمة فدعا إليها قريشا ، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى أن يأتيه إلا أن يسلم. وكره عقبة أن يتأخر عن طعامه رجل من أشراف قريش فأسلم عقبة ونطق بالشهادتين ، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكل من طعامه ، فلما لقي صاحبه وخليله أمية بن خلف عاتبه ، وقال له بلغني أنك قد صبوت . فقال عقبة :لا ولكني رأيت عظيما ألا يحضر طعامي رجل من أشراف قريش. فقال له أمية : وجهي من وجهك حرام حتى ترجع إلى محمد وتبصق في وجهه وتطأ عنقه وتقول  له كيت وكيت. ففعل عدو الله ما أمره به خليله ؛ ولكن الله حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم من بصاقه و رجع بصاقه في وجهه حتى أثر في وجهه وأحرق خديه ، فلم يزل أثر ذلك في وجهه حتى قتل. وعض يديه فعل النادم الحزين لأجل طاعته خليله. فأنزلها الله

فيا أيها الأخوة : حتى لانكون كعقبة بن أبي معيط وحتى لا نعض أيدينا ندامة يوم القيامة على صحبة أصحابنا  وحتى نحشر يوم القيامة مع من نحب من الصالحين أحببت أن أذكر لكم :شروط الصحبة والصداقة

فكم من واحد منا كان براً بوالديه وصار عاقاً جراء هزء أصحابه به   وكم من شاب سلك طريق الحرام جراء أصحابه   وكم من شاب ترك صلاته لأن أصحابه جعلوه محط سخريتهم

وما من إنسان تعلم التدخين إلا من أصحابه فمن أجل ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  « الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ ». رواه أبو داود عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ

فإذا طلبت رفيقا ليكون شريكك في التعلم، وصاحبك في أمر دينك ودنياك

فراع فيه خمس خصال:

1- الخصلة الأولى: أن يكون صالحاً: فلا تصحب فاسقاً مصراً على معصية كبيرة، لأن من يخاف الله لا يصر على كبيرة، ومن لا يخاف الله لا تؤمن غوائله، بل يتغير بتغير الأحوال والأعراض،

بل إنك لا تستطيع أن تأمنه على عرضك وأهلك   ولربما خشيت أن تدخله إلى بيتك

قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (وَلا تُطِع مَن أَغفَلنا قَلبَهُ عَن ذِكرِنا وَاتَبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمرُه فُرُطا). وهذه قصة تبين لنا لماذا ينبغي أن يكون الصاحب صالحاً..

قال أحد الأصدقاء الفاسدين لصديقه: لقد تعرفت على زوجة إمام المسجد .. وسوف أذهب إلى بيتها في فترة غياب زوجها في الصلاة وأخشى يأتي زوجها فجأة فأريدك أن تجلس إلى الإمام تحدثه وتسأله حتى أنتهي   فقال له صاحبه: أبشر   وبالفعل ذهب الشاب بعد الصلاة وسلم على الامام وجلس يحاول أن يتكلم معه حتى أنهى صديقه معصيته وكلمه على الهاتف واستمر الشابان على التعاون على الإثم والعدوان لفترة طويلة  حتى أصبحت علاقة من يجلس مع إمام المسجد قوية وبدأ ضميره يؤنبه حتى قرر يوما أن يعترف للإمام بسبب جلساته الطويلة هذه

فقال له يا شيخ : خلال هذه الفترة أنا لم أكن أجلس معك لله  ولكني كنت أغطي على صديقي الذي يذهب إلى زوجتك بالبيت ولكن أتدرون ماكان رد الإمام كانت الصاعقة كانت في رد إمام المسجد لهذا الشاب في قوله: ولكني لست متزوج بعد  ويبدو أن صاحبك كان يرسلك إلي ليذهب إلى بيتك لا إلى بيتي .

لذلك أيها الأخوة فلنحذر صحبة الفاسق؛ فإن مشاهدة الفسق والمعصية على الدوام تزيل عن قلبك كراهية المعصية، وتهون عليك أمرها، فإن في تكرار رؤية المعصية إلفة لها والعياذ بالله

وقد روى أَبو سَعِيدٍ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ « لاَ تُصَاحِبْ إِلاَّ مُؤْمِنًا وَلاَ يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلاَّ تَقِيٌّ » أبو داود

2- الخصلة الثانية: أن يكون حسن الخلق: فلا تصحب من ساء خلقه، وهو الذي لا يملك نفسه عند الغضب والشهوة. وقد جمعه علقمة العطاردي في وصيته لابنه لما حضرته الوفاة، قال: يا بني إذا أردت صحبة إنسان فاصحب من إذا خدمته صانك، وإن صحبته زانك، وإن قعدت بك مؤنة مانك .. اصحب من إذا مددت يدك بخير مدها أي أعانك، وإن رأى منك حسنة عدها، وإن رأى منك سيئة سدها.أي سترها  اصحب من إذا قلت صدق قولك، وإن حاولت أمرا أمرك، وإن تنازعتما في شر آثرك.

وفي المثل : (قل لي من تصاحب أقل لك من أنت ) فإن كان أصحابك من ذوي الأخلاق الحسنة أقول لك أنت منهم وإلا فأعد ترتيب أوراقك من جديد

وقال علي رضي الله عنه رجزا:  إِن أخاكَ الحَقُ مَن كانَ مَعَك … وَمَن يَضر نَفسه لِيَنفَعَك                            وَمَن إِذا ريبَ الزَمانُ صَدعَكَ … شَتَتَ فيك شَملَهُ لِيَجمَعَك

وقالوا قديماً : امش مع الأسد ولو خدمته ، ولا تمش مع الكلب ولو خدمك

3- الخصلة الثالثة: أن يكون عاقلاً حكيماً: فلا خير في صحبة الأحمق، فإنه يأتي لينفعك فيضرك والعدو العاقل خير من الصديق الأحمق، قال علي رضي الله عنه:

فَلا تَصحَب أَخا الجَهلِ … وَإِياكَ وَإِياهُ

فَكَم مِن جاهِلٍ أَردى … حَليماً حِينَ آَخاهُ

يُقاسُ المَرءُ بِالمَرءِ … إذا ما المَرءُ ماشاهُ

وَلِلشَىء مِنَ الشَىء … مَقاييِسُ وَأَشباهُ

وَلِلقَلبِ عَلى القَلبِ … دَليلٌ حِينَ يَلقاهُ

وفي وصايا الحكماء لأبنائهم: يابني صاحب العقلاء  وجالسهم تنسب إليهم وإن لم تكن منهم ، ولا تصاحب الحمقى فإنك وإن لم تكن منهم  تنسب إليهم.

4- الخصلة الرابعة: ألا يكون حريصاً على الدنيا:

فحبك الشيء يعمي ويصم   وصحبة الحريص على الدنيا سم قاتل؛  لأن الطباع مجبولة على التشبه والاقتداء،  و الطبع يسرق من الطبع من حيث لا يدري  فمجالسة الحريص تزيد في حرصك، ومجالسه الزاهد تزيد في زهدك.  و المتجالسان متجانسان

و قد روى البيهقي في شعب الإيمان عن سيدنا عيسى عليه السلام أنه قال :

حب الدنيا أصل كل خطيئة

وقال مالك بن دينار : إذا اصطلحنا على حب الدنيا فلم يأمر بعضنا بعضا و لم ينهى بعضنا بعضا فلننتظر عذاب الله أن يحل بنا.

ومن الحرص على الدنيا البخل   فإياك ومصادقة البخيل فإنه يبعد عنك أحوج ما تكون إليه.

5- الخصلة  الخامسة: أن يكون صادقاً: فلا تصحب كذاباً،  فإنك منه على غرور، فإنه مثل السراب، يقرب منك البعيد، ويبعد منك القريب. وقد قال سيدنا علي :

صديقك من صدقك لا من صدَّقك   ولك أن تعلم أن سيدنا أبا بكر ما بلغ منزلة الصديقية إلا بصحبته للصادق الأمين وملازمته له

فإن عدمت اجتماع هذه الخصال في أصحابك  فعليك بأحد أمرين:

إما العزلة والانفراد؛ ففيها سلامتك..  فالوحدة خير من جليس السوء ، والجليس الصالح خير من الوحدة

وإما أن تكون مخالطتك مع شركائك بقدر خصالهم،

فإن علمت أن الإخوة ثلاثة: أخ لآخرتك فلا تراع فيه إلا الدين، وأخ لدنياك فلا تراع فيه إلا الخلق الحسن،  وأخ لتأنس به فلا تراع فيه إلا السلامة من شره وفتنته وخبثه.

والناس ثلاثة: أحدهم مثله مثل الغذاء لا يستغنى عنه، والآخر مثله مثل الدواء يحتاج إليه في وقت دون وقت، والثالث مثله مثل الداء لا يحتاج إليه قط، ولكن العبد قد يبتلى به، وهو من لا أُنْسُ فيه ولا نفع؛ فتجب مداراته إلى الخلاص منه، وفي صحبة هذا الصاحب فائدة عظيمة إن وُفقتَ لها، وهي أن تشاهد من خبائث أحواله وأفعاله ما تستقبحه فتجتنبه؛

فالسعيد من وعظ بغيره، والمؤمن مرآة المؤمن، وقد قيل لسيدنا عيسى عليه السلام:

من أدبك؟ فقال: ما أدبني أحد، ولكني رأيت جهل الجاهل فاجتنبته.

ولقد صدق – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – فلو اجتنب الناس ما يكرهونه من غيرهم لكملت آدابهم واستغنوا عن المؤدبين.


أضف تعليق